-A +A
عبدالله بن فخري الأنصاري
مازال جحيم السيارات المفخخة يحصد أرواح المئات من الأبرياء في العراق يوميا، آخرها تلك التي استهدفت تجمعات وقرى بالقرب من الحدود العراقية السورية وأودت بحياة أكثر من 400 شخص وجرحت المئات في ظل الإخفاق الواضح للخطة الأمنية. وبات العراق ساحة لتصفية الحسابات الطائفية والسياسية للقوى المختلفة. فقد بات العراق بالنسبة للولايات المتحدة أرضا لاستقطاب الإرهابيين وساحة معركة لتصفيتهم على حد زعمهم بدلا من مقاتلتهم في أوروبا وأميركا، كما قال الرئيس الأمريكي في أكثر من مناسبة «نحن نحاربهم هناك حتى لا نضطر لمحاربتهم هنا». وبات العراق ساحة معركة يصفي فيها الإيرانيون والأمريكيون والسوريون حساباتهم السياسية ومخططاتهم الإستراتيجية. وبات العراق ساحة نفوذ لبعض دول الجوار كإيران يمكن لها أن ترث الدور الأمريكي في حال تهاوي الأخيرة في العراق. وبات العراق ساحة لمعارك طائفية وصراعات مذهبية و إثنية وعنصرية. وبات العراق ساحة معركة سياسية من أجل بسط النفوذ والسيطرة على أكبر قدر من مقدرات العراق وشعبه. وبات العراق ساحة لمعارك يتم فيها تجربة كل أنواع أسلحة التدمير الجديدة لاختبار فاعليتها والمساهمة في تطويرها وتسويقها. وبات العراق ساحة لتجنيد وتدريب الإرهابيين داخل العراق وتصديرهم للخارج. وبات العراق ساحة لاعتداءات وأعمال عنف لمجموعات إجرامية منظمة لنهب خيرات العراق وتصفية حسابات شخصية. وبات العراق ساحة للمساومات السياسية الدولية ولمصالح الدول الكبرى، وبات العراق أكبر مصدر للاجئين والنازحين عن ديارهم.
يأتي ذلك الغياب الأمني في ظل استمرار الجمود السياسي الذي عصف بحكومة الوحدة الوطنية العراقية التي انهارت بعد انسحاب جبهة التوافق العراقية، أكبر تكتل سني من الحكومة، كحصاد مر للسياسات الطائفية التي تبنتها الحكومة العراقية والتي باتت مصدرا للتحريض على الإرهاب. إذ لم تلبِ الأخيرة طموحات الشعب العراقي في تعزيز مفهوم الوحدة الوطنية وتحقيق المصالحة، وفشلت في كبح جماح الميليشيات والمجموعات المسلحة التي اخترقت الأجهزة الأمنية العراقية، واستمرت في الاعتقال والاحتجاز التعسفي ضد طائفة دون غيرها. إلا أنه ووسط هذا الدَوي من الانفجارات وصوت الرصاص شهد العراق ميلاد تحالف سياسي جديد يضم المجلس الأعلى الإسلامي وحزب الدعوة والاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني أنقذ حكومة المالكي من الانهيار إلا أنه أنهى ادعاءات الحكومة بأنها حكومة الوحدة الوطنية. فقد فشل التكتل السياسي الجديد في ضم السنة للعملية السياسية مما ينذر بتصاعد التوتر السياسي والأمني في البلاد. وربما كانت نتيجة «الهرع» نحو تحريك «الجمود السياسي» لتجاوز الأزمة السياسية في العراق قد أدت إلى دفعه باتجاه المسار الخاطئ نحو تبني سياسة الإقصاء والتهميش. فالائتلاف العراقي الحالي لا يمثل كل العراقيين ولن يكون بمقدوره إنهاء الأزمة التي يعيشها العراق أو وضع جدول أعمال يدعم مطالب كل العراقيين ويحقق المصالحة الوطنية المنشودة. وتأتي دعوة المملكة لحكومة وحدة وطنية يقبلها العراقيون ولتسريع في إجراءات المصالحة الوطنية معبرا عن رؤية المملكة الموضوعية لخروج العراق من أزمته الراهنة. فحكومة وحدة وطنية تتمتع بالسيادة الكاملة، وتحظى بمصداقية شعبية، لديها حس وطني يتجاوز الانقسامات الطائفية هي وحدها القادرة على إنقاذ العراق من الانزلاق في أتون الفوضى والفتن التي تهدد أمنه واستقراره.

afansary@yahoo.com